الأسرة الفاقدة للوعي

Posted on 13 نوفمبر، 2025

تُعدّ الأسرة النواة الأولى لبناء الإنسان والمجتمع، ومصدر التوازن النفسي والاجتماعي للفرد. غير أنّ التحوّلات الاجتماعية والثقافية المتسارعة أفرزت نمطًا من الأسر يمكن وصفه بـ«الأسرة الفاقدة للوعي»، أي تلك التي غاب عنها الإدراك العميق لوظيفتها التربوية ورسالتها القيمية. هذا المقال يحاول تحليل جذور هذه الظاهرة، وبيان آثارها، واقتراح سبل عملية لاستعادة الوعي الأسري في ضوء المعارف التربوية الحديثة والقيم الإسلامية.

أولًا: مفهوم الوعي الأسري وأهميته

الوعي الأسري هو إدراك أفراد الأسرة لأدوارهم ومسؤولياتهم داخل المنظومة الأسرية، وفهمهم العميق للعلاقات التي تربطهم ببعضهم وبالمجتمع من حولهم. يشمل هذا الوعي معرفة الحقوق والواجبات، وفهم القيم التي تحكم السلوك الأسري. يؤكد الدكتور عبد الكريم بكار أن الوعي الأسري هو «حارس القيم وموجّه السلوك، وبه يتحقق التوازن بين الحرية والمسؤولية داخل الأسرة». ومن المنظور الإسلامي، يمثل الوعي امتدادًا لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ [التحريم: 6]، أي إدراك العواقب وتحمّل المسؤولية التربوية.

ثانيًا: مظاهر فقدان الوعي داخل الأسرة

تتجلّى مظاهر فقدان الوعي في صور متعددة، منها ضعف التواصل العاطفي، وانشغال الوالدين بالماديات، وغياب القدوة، وتفكك العلاقة التربوية بين الأجيال. فالأبناء ينشأون دون نموذج يُحتذى، والآباء يفتقدون مهارة الإصغاء والحوار. ويشير مصطفى حجازي إلى أنّ غياب الوعي التربوي يُنتج ما يسميه «العجز الحضاري»، حيث يعيش الأفراد في ردود فعل متكرّرة دون رؤية أو تخطيط.

ثالثًا: الجذور التربوية والاجتماعية للأزمة

يمكن إرجاع أزمة الوعي الأسري إلى عدة عوامل، منها: ضعف الثقافة التربوية، وتأثير الإعلام غير المنضبط، وتراجع دور المؤسسات التعليمية والدينية في التوعية الأسرية. كما أن تسارع نمط الحياة الحديثة أدى إلى تهميش القيم الروحية والإنسانية. ويُضيف إريك فروم أن فقدان الوعي الأسري مرتبط بظاهرة «الاستهلاك العاطفي»، حيث تتحول العلاقات إلى أدوات لإشباع الحاجة الفورية دون التزام طويل المدى.

رابعًا: سبل البناء واستعادة الوعي الأسري

يتطلب استعادة الوعي الأسري مشروعًا متكاملًا يبدأ من تعزيز الثقافة التربوية للأبوين، مرورًا بتربية الأبناء على التفكير النقدي والمسؤولية، وانتهاءً بإحياء القيم الدينية والأخلاقية. من الحلول العملية: تنظيم جلسات حوار أسري منتظمة، قراءة كتب في التربية والاتصال، والمشاركة في برامج التوعية الأسرية. كما ينبغي إعادة الاعتبار للأسرة كمؤسسة قيمية قبل أن تكون اقتصادية.

خاتمة

إنّ الوعي الأسري ليس ترفًا فكريًا بل هو أساس لبقاء المجتمع واستقراره. فالأسرة الواعية تُخرّج مواطنين صالحين متزنين نفسيًا واجتماعيًا. أما الأسرة الفاقدة للوعي، فهي بيئة خصبة للاضطرابات والقيم المشوّهة. وبين هذين النقيضين، يكمن دور التربية الواعية التي تجمع بين العلم والقيم، لتعيد للأسرة مكانتها بوصفها الحاضن الأول للإنسان

Responses