الزواج بين الاستقرار وعدم الرضا

نشر على 18 يوليو، 2024

عبد اللطيف سندباد*
ما أحل الله سبحانه وتعالى شيئا أبغض من الطلاق، إذ في بعض الأحيان يكون الطلاق أمرا لا مفر منه، ويمكن التكهن باحتمالية إنهاء العلاقات الزوجية قبل حدوث الطلاق، لكن المحزن أن الزوجين لا يدركان الأمر إلا بشكل متأخر جدا، ويعتبران العلاقة الزوجية وقائع مكتسبة ومفروغ منها، ويعيشان الاستقرار في هذه المساحة الزوجية دون الشعور بالرضا، بدل العمل على تغذية العلاقة الزوجية بمشاعر الرضا والاستقرار، والتحديث المستمر للاهتمامات المشتركة، وترتيب القيم والأولويات وغيرها من السلوكات بمرور الزمن. إن انقاذ الزواج من مختلف الضوائق والمرارات الداخلية والخارجية، واستحضار ما يفرزه ذلك من أضرار صحية واجتماعية ومادية على جميع أفراد الوحدة الأسرية والمجتمعية، خصوصا منها الأطفال في وضعية التمدرس الالزامي.
يعتبر بيت العلاقات الزوجية الذي لا يحقق الحد الأدنى من الرضا لأفراده، وتكون الصراعات في مستوياته العليا، ومتكررة باستمرار، فآثار ضوائقه تبدو على أفراد الأسرة وإن كانوا تحت السقف الواحد، في عدم الالتزام، وغياب الوفاء، وعيش الاضطراب الفسيولوجي والتي تظهر أعراضه المرضية على مستوى الأبدان والأنفس والمعارف، حيث تزداد هشاشة العلاقات بين الزوجين، وترتفع نسب تعرضهما لخطر الإصابة بالأمراض الجسيمة، كارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والقلق والاكتئاب والانتحار والهوس والتعاطي للمواد السامة وضعف التركيز وإعادة تشغيل الأسئلة السلبية وكذا تراجع معدلات آماد الحياة، فيما الأطفال بدورهم يتعرضون في سياق الزواج غير المرضي والعلاقات العدائية بين آبائهم إلى عواقب التوتر العصبي على مستوى صحتهم وسلوكاتهم التي تصبح عدائية – غالبا – بالمدرسة والبيت فضلا عن رفضهم من قبل الجماعة، ليصير اللجوء إلى الطلاق الآمن والهادئ في بعض الأحيان نعمة، وأفضل بكثير من عيش الضيق والاضطراب الزواجي الذي تشهر فيه قيم الانتقاد والازدراء وحيل الدفاع والانسحابية، وبالمقابل ثمة خيارات استثنائية لعلاقات زواجية دائمة الاستقرار بالرغم من وجود ظواهر سلبية، ومواجهتها لضوائق التعثر في مختلف دورات حياة الأسرة، فهي تعمل على التخفيف من هذه الاضطرابات والضوائق، وتتجنب الطلاق بطلبات الدعم والمساعدة لمعالجة تعثراتها وإثراء علاقاتها وتحديث طرق عيشها خصوصا وأن لا سفينة زواج تبدأ بشكل مثالي وكامل.
إن ممكنات بقاء العيش في زواج غير مرض من أجل الاستقرار، ومن أجل الأطفال فقط، ومن أجل تقاليد المجتمعات المحافظة يطرح تحديات عميقة على أولويات المحافظة على بيت الأسرة وقدسيته على باقي المصالح الذاتية الأخرى، وبالنظر الى قاعدة عالم الاقتصاد الإيطالي فيلفريدو باريتو 20-80 في العلاقات الزواجية، فإن شركاؤنا عموما يمتلكون 80% من الأشياء التي نريدها ونحتاجها لإشباع حاجياتنا، ولكن الـ 20% التي لا نملكها تبدو أكثر أهمية وأهمية لأننا لا نقدر ما لدينا من نعم، وما نعيشه من آلاء بالرغم من ضائقة الزواج غير السعيد وغير المرضي، إذ بدلا من التركيز للتغلب على هذه الضوائق وحصر الذهن على كل ما لدينا من خيرات، وما نعيش من خلالها من قيم مشتركة حتى لوكان ذلك غير مرض، إضافة الى تقدير الفضل الذي كان بين الزوجين حتى ولو لم يبدو أن الزوجين حاليا غير متفقين، وبالعمل على الاقتناع أن جميع العلاقات الزواجية تعيش بصفة دائمة ضمن مشاكل وضوائق الحياة، فإن تقدير وقبول عيوب الآخرين كما يقبلون بعيوبنا، والتغافل عن مناطق الخلاف، والتمييز بين المشاكل القابلة للحل وغير القابلة للحل، وتعلم كيفية إدارة الاختلافات من القيم والجوانب الأكثر يعد ترياقا للتخفيف من ضوائق هذه العلاقات المتعثرة والمفتاح الرئيسي لتطوير مهارات العيش السليم والشعور بالرضا تجاه أحوال ومقامات سيرورة الزواج.

* كاتب صحفي واستشاري أسري

Responses

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

💬 أيمكنني مساعدتك ؟
مجموعة كوتش عربي
مرحبا كوتش عربي
كيف يمكننا مساعدتك ؟