

Abdellah LALAOUI
كوتش أسريطفلي… والسيجارة الأولى دراسة نفسية وأسرية سبل الوقاية والعلاج المبكر
Posted on 4 مايو، 2025

في لحظة عابرة، بين زقاق المدرسة أو داخل حمام المنزل، قد تمتد يد صغيرة إلى سيجارة… ليست مجرد سيجارة، بل بوابة إلى عوالم من التحدي النفسي والضياع القيمي والخلل الأسري.
أظهرت دراسة أمريكية حديثة (CDC, 2023) أن أكثر من 80% من المدخنين البالغين بدأوا تجربتهم الأولى قبل سن 18. لكن ماذا لو قلت لك إن بعض الأطفال يدخنون لأول مرة بعمر 10 سنوات.
في إحدى جلساتي العلاجية، روى لي أب، بصوت مكسور، كيف اكتشف أن طفله وعمره 12 عاما كان يدخن خفية في حي بعيد عن المنزل.
هنا يطرح السؤال نفسه، لا بصيغته المعتادة بل بصيغته الإنسانية:
هل السيجارة الأولى هي مشكلة سلوك… أم صرخة خفية من طفل يبحث عن صوت يسمعه؟
لفهم التدخين في سن مبكرة، علينا ألا نراه كفعل مادي فقط، بل كمؤشر عاطفي، ومعرفي، واجتماعي. ففي دراسة حديثة صدرت عن Journal of Adolescent Health تشير الإحصاءات إلى أن نحو 8% من الأطفال في سن ما بين 9 و12 عاما قد جربوا السيجارة الأولى بدافع الفضول أو التأثر برفاق السوء أو بسبب أزمة نفسية أو أسرية مثل : الحاجة للانتماء، الرغبة في التمرد أو غياب التواصل الأسري الداعم.
و في دراسة مهمة منشورة في Clinical Child and Family Psychology Review (2021) أوضحت أن الأطفال الذين ينشأون في أسر غير دافئة أو مضطربة عاطفيا يبدؤون التجريب السلوكي في عمر أبكر بنسبة 35%.
وفقا لنظرية Bowen في العلاقات الأسرية، فالطفل المدخن قد يكون استجابة لدور غير مناسب فرض عليه داخل هيكل الأسرة، كأن يصبح “المهدئ العائلي” أو ضحية الصراعات الزوجية الصامتة .
ووفقا لنظرية التعلق الحديثة فإنها تشير إلى أن الأطفال الذين يعانون من ارتباط غير آمن يكونون أكثر عرضة للسلوكيات الخطرة كآلية لتنظيم مشاعرهم الداخلية، ومنها التدخين.
بينما ترى كل من نظرية التعلم الاجتماعي المحدثة في ضوء دراسات 2018 بأن الطفل لا يقلد فقط من حوله، بل يختبر ذاته من خلال التقليد فالسيجارة قد تكون أداة إثبات وجود أو محاولة للانتماء، وفيما يركز العلاج السردي على أن التدخين كسرد بديل للهوية، وأن الطفل يحاول من خلاله أن يكون قصة مختلفة عن نفسه، غالبا ليهرب من أخرى موجعة.
وكملاحظة مهمة أكد كبار المعالجين بالعلاج المعرفي السلوكي (CBT) على أن التركيز على المهارات الاجتماعية والوعي الذاتي أدى إلى خفض معدلات الانتكاس بنسبة 42% خلال 6 أشهر عند الأطفال المدخنين.
كما بينت دراسات APA (2020) أن البرامج الوقائية الأسرية كانت أكثر تأثيرا من التوعية المدرسية وحدها، شرط أن تدمج بتدخلات علاجية تراعي السياق النفسي للطفل مثل :
- إعادة هيكلة الأفكار المرتبطة بصورة الذات، خاصة تلك التي تدفع الطفل للبحث عن الانتماء السلبي.
- كتابة قصة الطفل عن أول سيجارة، ثم إعادة سردها من زاوية الأمل والتغيير.
- تعليم الطفل استقبال الرغبة دون أن يكون رهينة لها، مع ممارسة تمارين ذهنية بسيطة.
- تعديل الأدوار داخل الأسرة، وتحرير الطفل من موقع المهدئ أو الضحية.
- تمارين يومية لمدة 5 دقائق لملاحظة التنفس والانتباه للمحفزات دون تصرف.
هنا أصبح لزاما أن يلعب المعلمون والمستشارون النفسيون دورا حيويا في رصد العلامات المبكرة كالعزلة، و تغير الأداء الدراسي، أو رائحة الدخان. وجود هكذا تحسيس وتوعية يشكل التدخل السريع المطلوب قبل أن تتفاقم الظاهرة داخل المدارس و قد يحدث فرقا حقيقيا ، كما حدث معنا في قصة الطفل عمر الذي يبلغ 11 سنة، جاء مع أمه الى نادي الاستماع المدرسي بعد أن ضبطه مدير المدرسة يوزع السجائر في المرحاض. المفاجأة؟ عمر يعاني من صمت والده منذ الطلاق…عندما أخضعناه لحصص الكوتشينغ المدرسي، قال في واحدة منها: عندما أراهم يطلبون مني السجائر أحس بأن لدي من يهتم لأمري…
أحيانا لا يبحث الطفل في السيجارة أو عن النيكوتين… بل عن اهتمام لم يقال أو حضن غائب. الأهل ليسوا دائما السبب، لكنهم دوما جزء من الحل لذا مسؤولياتنا كآباء تتمثل في تخصيص وقت حواري أسبوعي مع الطفل وفي مراقبة عن كثب لسلوكياته الرقمية وكذلك في مشاركة المدرسة والتواصل الفعال مع الإدارة التربوية لرصد أي مؤشرات مبكرة.
إذا كنت أبا أو أما تقرأ هذا الآن، فاعلم أن الوقاية تبدأ من سؤال بسيط، قد لا ينقذ فقط رئة ابنك، بل قلبه أيضا.
ماذا لو كانت السيجارة الأولى نداء داخليا لفهم أعمق؟
الكوتش : عبدالله العلوي
Responses