

Abdellah LALAOUI
كوتش أسريمتلازمة الفارس الابيض أو عندما يتحول الزواج الى مهمة انقاذ
Posted on 27 مايو، 2025

متلازمة الفارس الابيض:
عندما يتحول الزواج الى مهمة انقاذ
في عمق كثير من العلاقات الزوجية، تنمو اشكال خفية من الارتباط العاطفي يصعب رؤيتها من الخارج لكنها تستهلك الطرفين من الداخل. نعتقد احيانا ان الحب هو بذل وتضحية، وان الشريك الحقيقي هو من يقف بجانب من يحب مهما كانت حالته النفسية، ولكن ماذا لو تحول هذا الحب الى حالة دائمة من الانقاذ؟ ماذا لو أصبح الزواج مهمة لا تنتهي، يشعر فيها احد الطرفين ان عليه اصلاح الآخر باستمرار؟
ما يسمى في علم النفس بمتلازمة الفارس الابيض هو شكل من اشكال العلاقات العاطفية غير المتوازنة، حيث ينجذب احد الطرفين الى شريك يعاني من اضطرابات نفسية او ادمان او صدمات، ويشعر انه المسؤول عن “انقاذه”. قد تبدو هذه الحالة نبيلة في ظاهرها، لكنها في حقيقتها نزعة لا واعية نابعة من احتياج داخلي لاثبات الذات والشعور بالاهمية. الشخص هنا لا يحب لمجرد الحب، بل يحب ليشعر انه ضروري، انه لا يستغنى عنه من الطرف الاخر.
احدى الدراسات التي اجريت في جامعة بريتيش كولومبيا سنة 2019 كشفت ان ما يقارب سبعة وثلاثين في المئة من الاشخاص الذين يرتبطون عاطفيا باشخاص يحملون صدمات نفسية، تظهر عليهم مؤشرات متقدمة لهذه المتلازمة. قد يظن البعض ان هذا شكل من اشكال الحب غير المشروط، لكن الحقيقة ان الامر اعمق من ذلك بكثير.
من الناحية النفسية، يرتبط هذا النمط بعدة نظريات علمية. فنظرية التعلق تشير الى ان اصحاب نمط التعلق القلق غالبا ما يربطون حبهم وقيمتهم بمدى حاجه الطرف الآخر لهم. اما في العلاج السردي، فنجد ان بعض الاشخاص يعيشون قصة داخلية مفادها انهم وجدوا في الحياة لانقاذ الآخرين، وهذه القصة قد تكون قديمة، متجذرة في طفولة مضطربة مليئة بالاحتياج والتضحية.
وقد اكدت دراسات حديثة في مجال العلاج الاسري ان هذا النوع من العلاقات غالبا ما يؤدي الى احتراق عاطفي مبكر، يشعر فيه الشخص المنقذ بالتعب والخذلان. دراسة منشورة سنة 2021 في مجلة العلاج الاسري والزواجي اظهرت ان الازواج الذين يرتكزون على ديناميكية الانقاذ اكثر عرضة للطلاق بنسبة تفوق ثمانية وعشرين في المئة مقارنة بالازواج الذين يبنون علاقتهم على التفاهم والتشارك.
في احدى جلساتي العلاجية، جلست امامي سيدة في بداية الاربعينات، نظرت الي بعيون منهكة وقالت: “يا كوتش، ضاع عمري وانا انقذ في رجال محطمين. كنت احس بقيمتي فقط عندما اساعدهم. لكن عندما وصلت الى المستشفى ذات يوم عصيب ، لم أجد من يهتم لغيابي الأنكى من ذلك غيابي كان مثل وجودي”.
هذه القصة ليست فريدة. بل هي تكرار لنمط اصبح شائعا في المجتمعات التي تمجد العطاء المطلق وتنسى ان الحب الحقيقي لا يكون على حساب النفس.
ومع تزايد الوعي بالصحة النفسية في الاجيال الجديدة، هناك امل في تقليص هذا النمط. لكن في المقابل، عالمنا الرقمي، وتطبيقات المواعدة التي تروج لصورة مثالية للحب قد تعيد انتاج نفس السيناريوهات في اشكال جديدة.
العلاج هنا يبدأ من الداخل. من اعادة تعريف الذات خارج دور المنقذ. العلاج المعرفي السلوكي يساعد الشخص على تفكيك الافكار التلقائية التي تقول “انا لا استحق الحب الا اذا كنت مفيدا”. بينما العلاج السردي يعمل على اعادة كتابة القصة الداخلية، من “انا منقذ” الى “انا شريك قادر على الحب والتوازن”. اما العلاج بالقبول والالتزام فيدعو الى التحرر من دور البطل الخارق، والاعتراف بالاحتياجات الشخصية دون شعور بالذنب.
وهنا لا يمكننا ان نغفل عن دور اليقظة الذهنية، التي تعلم الشخص التوقف قبل التورط، ان يراقب نفسه وهو يندفع لانقاذ الآخر، وان يسأل: هل افعل هذا بدافع الحب؟ ام بدافع خوفي من ان لا اكون كافيا؟
الحب ليس مهمة انقاذ. الحب علاقة بين طرفين متساويين، كل منهما مسؤول عن ذاته قبل ان يكون مسؤولا عن الآخر. اذا كنت تعيش علاقة تشبه ما وصفته، فربما حان الوقت لتتوقف وتسأل نفسك: هل احببت ام انقذت؟ هل كنت شريكا ام بديلا للمعالج النفسي؟
ان التحرر من هذا النمط لا يعني التخلي عن العطاء، بل يعني ان تعطي دون ان تذوب، ان تحب دون ان تنقذ، وان تكون سندا لا مخرجا من الازمات.
انا الكوتش عبدالله العلوي، اقول لك عن تجربة، وعن عشرات القصص التي سمعتها وعشتها: اياك ان تنسى نفسك وانت تحاول ان تكون كل شيء للآخر. كن واعيا، كن صادقا مع مشاعرك، والاهم، كن شريكا لا فارسا.
كوتش عبدالله العلوي – معالج اسري وكوتش لايف
Responses