أنماط التعامل مع صراع العلاقات الزوجية

Posted on 4 يوليو، 2024

الكوتش والاستشاري الأسري عبد اللطيف سندباد

يعد الخلاف في العلاقات الأسرية امرا طبيعيا في كل الثقافات، وهو نظام أسري ثابت في كل العالم تقريبا، وهو ليس سلبيا على الإطلاق بقدر ما هو تجربة الاختلاف بين أفراد الأسرة، وأن المشكلة لا تكمن في وجود الصراع، بل في كيفية إدارته والتعامل معه، ذلك أن الصراع بإمكانه تغيير العلاقات على مصراعيها، وسواء أكان الخلاف القائم بين الأزواج حول أمور صغيرة على مائدة العشاء أو على المسلسل الذي يجب مشاهدته أو الصراع بشأن قضايا كبرى مثل كيفية إدارة الخلافات المالية أو التخطيط للمستقبل او الخيانات…فإنها في العمق شبيهة بجبل الجليد أسبابها الجوهرية تكمن تحت السطح، وليس سرا أن كل شريك داخل الأسرة يحمل داخله صماته الخاصة في القوة أو الوضع الاجتماعي أو التعليم..، ويقدم وجهات نظره ومعتقداته التي تشكل رؤيته لفهم العالم، وينخرط بهذا السلط في ممارسة جدالات عرضية أو أقوى منها، لفرض حضوره وإثارة نخوته أو لتكشف عن أنانيته أو مخاوفه وإحباطاته وتوتراته.. ويستعمل في مواجهاته مختلف الحجج والأساليب التواصلية للانسحاب أو للهجوم أو للدفاع عن وجهات نظره وأفق انتظاراته.

وبالمقابل تؤكد الاستشارات الزواجية أن الشركاء المنخرطين في مثل هذه الخلافات إذا كانت عرضية وبأمد قصير وتقع فوق السطح ، فهي سهلة في التعامل والإدارة، ومهما بلغت درجة معاناتها وتوتراتها في الصراع فهي في العمق تعكس التجربة الدينامية الفريدة داخل هذه الأسر، خاصة إذا كانت تعتبر المنزل فضاء للنمو وتعلم مهارات الاتصال وتعزيز التواصل، وأن لا ملجا ولا مخرج لها في صراعاتها غير دائرة الأسرة ولا مراعي غير الأسرة، وأن الخلافات اليسيرة والطبيعية تكشف عن عمق احتياجات ورغبات عناصرها وتعمل على فهمها وإفهامها باعتبارها اختلافا أساسيا، وتبحث عن حلول تعاونية لها، كما أنها تسمح بمعرفة الشريك لحياة شريكه وتفضيلاته المختلفة، كما أنها تقوي العلاقات لا سيما عند التعامل مع مخاوفها بأساليب ومهارات تعاونية تلي مخاوف جميع الأطراف، إضافة إلى أنها تخلق الشعور بالإنجاز والاقتدار على التغلب على التحديات والتنمية الشخصية، وتعزيز مشاعر الحب داخل العلاقة الزواجية، وإن بدا الأمر متناقضا على مستوى ظاهر الخطاب الزواجي، ذلك أن الأزواج عندما ينخرطون في جدالات صحية سطحية، فإنهم عادة ما يستعملون خطابات إقناعية محترمة وبناءة، ويعكسون عمق الاتصال العاطفي، وقوة التحمل والالتزام التعاوني المساهم في رفع منسوب المناعة النفسية، ويضاعفون من شحذ مهاراتهم في التكيف مع الصدمات بعيدا عن أنصاف الحلول أو التكيف على حساب إرضاء شريك معين، أو الانسحاب التام من الصراع ….

وفي الجدالات الطويلة الأمد التي يصعب تحديد جذورها الكامنة تحت السطح، فإن ما يبدو على مستوى السلوك احتكار أحد الشركاء المحادثات باستمرار، والتعمد في مقاطعة الطرف الآخر، ومهاجمته بأساليب مهينة وبشتائم جارحة مختلقا بيئة من العداء والأذى النفسي والجسدي والتهديد المستمر بالهجر وإنهاء العلاقة…   مثل هذه المؤشرات الكمية في كثير من الحالات يصعب التعامل معها وتغيير وضعها، لكن ما يمكن تغييره هو ما يمكن فعله أو الطريقة التي يتصرف بها الأزواج أثناء الصراع، والدفع باتجاه تلبية احتياجات الأفراد ورغباتهم الدفينة المحركة للنزاع باستخدام مختلف الوسائل الممكنة والمشروعة، وهي لا تعدو أن تكون تجنبية أو انسحابية تراكم الإحباط والغضب، أو تدلف في اتجاه استيعاب مخاوف الآخر على حساب الذات، أو تتجه صوب التصادم بين الطرفين المتحاربين، أو قد يلجأ الأخيران الى أسلوب التسوية والتفاوض للتوصل الى حل وسط للتوافق على قضايا أو التوافق على عدم التوافق، غير أن أسلوب التعاون والاقتدار على قوة التحمل في الصراعات يتجاوز أسلوب التكيف والتصادم والتسوية الذي يلبي المخاوف جزئيا فقط، لفائدة الموقف التعاوني الذي يلبي مخاوف جميع الأطراف.

Responses